بقلم: أحمد خليل ارتيمتي
ترتبط الآثار والرموز التاريخية بهوية وروحية الأفراد والمواطنين الساكنين بالقرب منها، وبها يستمدون طاقاتهم وإلهاماتهم، حيث تعتبر من الأمور الرمزية التي تتفاخر بها الشعوب والأمم لتعرب عن خصائصها الذاتية والموضوعية والمتمثلة بالتاريخ والفلكلور والثقافة والعادات التي تجمعها مع تلك الرموز والآثار، فعادة ما تعتمد الشعوب إلى استذكار القصص والأساطير لتلك الأمم التي خلت وتركت آثارها، وبها تفتخر وتقتدي في رفع المعنويات والتباهي بما موروثاتها البطولية والملاحم التاريخية التي قد جرت في تلك الأزمنة السابقة وتعبر عن عراقة شعوبها وأنظمة حكمها، فمثلا ما يقومون بهِ الأتراك اليوم من تجميد لتاريخ العثمانيين في المنطقة هو خير دليل فهم يعملون على ترميم الأماكن والمعابد التي شيدت في زمن العثمانيين إضافة إلى إعادة سرد الشخصيات التاريخية المؤثرة في تلك الحقبة لتعريفها على الأجيال الجديدة في الداخل والخارج. كما أنه هناك بعض الشعوب تعمل على المحافظة على موروثات التاريخية من أثر الاندثار أو الزوال كم هي الحال مع الهنود الحمر اليوم الذين يعتبرون أنفسهم من الشعوب المضطهدة ويدركون خطورة موقفهم من الزوال تاريخيا وفكريا وثقافياً.
ومن جانب آخر تعتبر الآثار والرموز التاريخية هي من المصادر المدرة والمنعشة لاقتصاد الدول، فهي تقوم بجذب السياح والمغامرين والمستكشفين والعلماء وهي تقوم بإنعاش السوق والتجارة عبر التسويق للمنتجاتها المحلية وهي تقوم بتمجيد الرفاهية وتحقيق الاسترخاء للأفراد والمجتمعات المحلية، وبهذا فهي تمثل أحد الموارد التي يمكن للدول الاعتماد عليها في سبيل تعزيز التنمية المستدامة والثروة الاقتصادية الغير مؤثرة على طبيعة البيئية والمناخية في الدولة، وهي تحل محل البترول وبقية مصادر الطاقة التي هي عصب ازدهار الدول في مفهومها التقليدي إذا ما استغلت بطريقة صحيحة وإيجابية. ومن هذه الدول (تركيا، يونان، إيطاليا وجمهورية مصر العربية فهي من الدول التي تعتمد بشكل كبير على السياحة والفن.
فما جرى قبل عدة أيام من استعراض مهيب في نقل المومياوات الملكية في المصر إلى متحف الحضارة بمدينة الفسطاط بحي مصر القديمة وسط القاهرة وسط احتفال رسمي وشعبي وبحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أذهل العالم أجمعه، حيث تناقلت كبريات القنوات الفضائية هذا الحدث الكبير، وبينت هذا الاستعداد الأكثر من رائع من نقل المومياوات الملكية والاستعراض الفني الذي رافقه قد أعطت انطباعا كبيرا لدى المتلقين متأملين تاريخ تلك الإمبراطوريات الفرعونية التي حكمت مصروالعالم آنذاك، فبتلك المؤثرات والمشاهد الجذابة المغرية قد نقلت المشاهدين زمنيا إلى الآلاف من السنين قبل الميلاد، وبتحليل مبسط لهذا الاستعراض المهيب، نرى أن التكلفة المالية لهذا الموكب الملكي قد لا يمكن مقارنة مع التأثيرات التي سوف تجنيها الدولة مستقبلا، فمن خلال هذا الجذب العالمي قدمت مصر فكرة مميزة للعالم أنها بالفعل هي (أم الدنيا) وأنهم ميراث حضارة عريقة في العالم، وأنهم أصحاب أرض لإمبراطوريات قد حكمت العالم قبل 3000 سنة قبل الميلاد، وأنها أفضل أرضية للسياح والعلماء والمهتمين بالآثار في العالم. وبهذا فإن قد مجدت التاريخ والحضارة والثقافة الفرعونية من جديد وأنها محطة اهتمام الدولة وهي من أولويات الحكومات المصرية اليوم، فبهذا الاستعراض أنها قد ضمنت نسبة السياحة لها لتعظم هذا الجانب اقتصاديا وتجاريا وثقافيا، إضافة إلى تعزيز الهوية المصرية في التفاخر والتباهي بشخصيته عالميا.
ومع كل هذه الاستعراضات الفنية لموكب المومياوات الملكية أصبح سؤال يتبادر في ذهن المواطن العراقي الذي قد شاهد هذه المشاهد عبر التلفاز وسائل التواصل الاجتماعي عن دور الحكومات العراقية في التعاطي مع مسألة الآثار والرموز التاريخية في العراق، بعد أن شهد زيارة الحبر الأعظم البابا فرانسيس إلى العراق في الآونة الأخيرة، وعن دور الجهات المعنية في تعظيم الآثار والحضارات التي قامت على أرض الرافدين، ففي فلسفة الحضارات هناك جدال بين الفلاسفة حول قُدميه الحضارتين ما بين حضارة بلاد وادي الرافدين والحضارة الفرعونية من حيث الزمن والعراقة، فالنكبات العسكرية والسياسية والأمنية التي جرت في العراق قد دثرت هذا التوجه الثقافي والاقتصادي للدولة، بل وصلت إلى مرحلة الإهمال والتهميش والتدمير والسرقة للمعالم والمقتنيات الأثرية كما حدث في محافظة نيوىوبقية المناطق الاثرية،حيث أثرت هذه العوامل على وفود السياح والملمين في الشؤون الأثرية إلى العراق، مما ادى الى اضمحلال هذا الجانب المهم والمعزز للدخل القومي العراقي، وبات الحديث عن تعزيز الجانب السياح والآثار من الأمور الثانوية أو اقتصرت على السياحة الدينية التي لم يتم استثمارها بالصيغة الاقتصادية على مدار حكم الحكومات العراقية المتعاقبة، اضافة الى ذلك فان العراق يمتلك أرضية ممتازة في المواقع الآثرية بواقع 12 الف موقع اثري تعود الى حقبات زمنية مختلفة، ومن ابرزها (اور، نمرود، نيبور، إيسن، بابل، نينوى، اشور، اورك، سامراء) الخ. وإذا ما اهتمت الحكومة العراقية في رفد أهمية وتاريخ هذه المعالم وشخصياتها فهي تعزز الجانب الاقتصادي المهم في البلاد، عبر إدخال العملة الصعبة وتوفير فرص عمل للسكان المحلية من تلك المعالم وتعزز شخصيتهم الوطنية وانتماءاتها التاريخية لهذا البلد، كما وأنه يوفر بديلا عن الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية التي أصبحت الدول المتقدمة تعمل على إيجاد بدائل لها. وبهذا سوف يصبح من المستطاع أن تجعل البلد واجهة سياحية للسياح على مستوى العالم، بالاستفادة من الطبيعة الخلابة والتنوع الثقافي والديني والعرقي التي يمتاز به العراق من الجنوب وصولا إلى الشمال.
Comments